TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
غياب البحث العلمي في الجامعات :علامات استفهام" ؟؟ أ.د. محمد القضاة
27/01/2016 - 1:45am
مع انطلاقة الدورة البحثية الاولى لصندوق دعم البحث العلمي ، تستمر اسئلة البحث العلمي في كل عام،  وقد لا تجد اجابات مقنعة من لدن صُنَّاع القرار في الجامعات والمؤسسات العلمية، ويبقى السؤال المفصلي؛ من المسؤول عن غياب البحث العلمي ؟ هل هي الجامعات نفسها؟ ولماذا تتراجع الجامعات في التصنيفات العالمية الحقيقية الجادة؟ خاصةً أنّ كثيرا من هذه التصنيفات لا قيمة لها ولا تستحق النظر، وكم  اشعر بالحزن حين اقرأ خبرا عن غياب البحث العلمي في الجامعات ! واتسأل هل استغنت الجامعات عن البحث العلمي لصالح التدريس؟ وهل تخلّت الجامعات عن دورها البحثي؟ وما يزيد حزني تلك الرغبة الجامحة عند الجامعات الاردنية لدخول نوادي التنافس العالمي والدولي في موضوع التصنيفات، وهو امرٌ لا ينبغي ان يسرق وقتها وجهدها عن الامر الأساسي في الجودة العلمية وإعداد الخريجين على اكمل وجه! ولا نريد ان نستبق الزمن لأجل ان يقال ان جامعاتنا قد حققت رقما في تصنيف ما، ونحن نعلم ان العملية التدريسية هي الأجدى والأنفعُ في المتابعة الحقيقية للوصول لمخرجات علمية يتحدث عنها المجتمع بايجابية؛ لأن نوعية الخريجين تتعرض لنقد ساخر ولاذع،ومشهد الأوائل الذين تقدموا لامتحان ديوان الخدمة المدنية ما زال حيًّا في نفوس الكثيرين حين لم يحالف الحظ ثلث المتقدمين !؟
ولا نريد ان ينتقد الناس الجامعات وكأنها لا تقوم بواجباتها البحثية والعلمية. والتقرير الذي نشرته الراي يوم الثلاثاء 15/09/2015 تحت عنوان  "هل استغنت الجامعات عن البحث العلمي واكتفت بوظيفة التدريس؟" يؤكد ضرورة التأكيد على أهمية البحث العلمي في تقدم الجامعات وتطورها، ويثير الاستغراب والدهشة في الآن نفسه، وهنا عليّ ان اقول: إن الجامعات التي لا تضع في خططها كيفية دعم البحث العلمي ودعم المشاريع العلمية والباحثين لا يمكن لها ان تنافس جامعة ناشئة،  
ولذلك، عند الحديث عن البحث العلمي يجب ان نقرأ بعناية الأرقام وحجم الإنجاز كي نتبين بدقة ان بعض الجامعات لا تعطي البحث العلمي الأولية الكافية والحقيقية؛ وإنما إنجازات وهمية لا تنطلي على أحد؛ ولا على صندوق دعم البحث العلمي الذي يعمل ليل نهار في تبني مشاريع علمية في الجامعات الاردنية، ويطالب تلك الجامعات بإنفاق ميزانية البحث العلمي على البحث العلمي والباحثين لكي لا تؤول الأموال غير المنفقة على البحث العلمي للصندوق، وهناك العديد من الجامعات اضطرت لتحويل المبالغ غير المصروفة على البحث العلمي والايفاد لصالح الصندوق وبعضها تم تحويل مبالغها عن طريق المحكمة؟ وتعالوا معي الى الممارسات التي تنتهجها الجامعات بحق البحث العلمي، ولعل أولى هذه الممارسات ان دعم الباحثين وأبحاثهم ومشاريعهم تتعرض لدائرة معقدة من الروتين تفضي الى تطفيش الباحثين وهروبهم وتهميش البحث العلمي مما يؤدي الى عدم العودة لتقديم اي مشروع علمي كان، وللأسف حجم مكافأة الباحث في البحوث الانسانية لا تكاد تذكر، ولا تتجاوز في المشروع الواحد بضع مئات وهو أمر يجب ان يعاد النظر فيه؛ لان طبيعة المشاريع البحثية في مجال الدراسات الانسانية يقوم الجهد فيها على الباحث، وهذا ما يساعد على احجام الباحثين عن التقدم بمشاريعهم العلمية، يضاف الى ذلك انه اذا تقدم اي قسم اكاديمي لدعم مؤتمر علمي يواجه بالرفض من عدم توافر المخصصات المالية ، واذا قرر باحث ان يشارك في مؤتمر دولي قد يُواجه بعبارة على " الا  تتحمل الجامعة اي نفقات" جراء مثل هذه المشاركة،  هذه بعض الممارسات التي يحدثني عنها الأساتذة في جامعاتهم، وبالتالي كيف تتقدم الجامعات دون بحث علمي؟ كيف تعقد المؤتمرات اذا لم تخصص الجامعات لها المال الكافي؟ كيف يستطيع اساتذة الجامعات مواكبة التطورات العلمية في تخصصاتهم اذا لم تدعمهم جامعاتهم ؟ كيف تنافس الجامعات دون قاعدة علمية  بحثية مرموقة؟  كيف تحترم الجامعات شخصيتها العلمية والأكاديمية والاعتبارية دون بحث علمي؟ لماذا لا تبادر الجامعات إلى عقد ورش علمية تحفّز  فيها الباحثين وطلبة الدراسات العليا سنويا، بحيث تشعر ميزانيات البحث العلمي انها اخذت حقها من نصيب الإنجاز والابتكار والتغيير.
مؤسف اذا قلت إن هناك عقليات لا تؤمن بالبحث العلمي؛ لانها اخذت كل شيء دون تعب! وتسنموا مواقعهم بالطريقة نفسها! وفاقد الشيء لا يعطيه!  فكيف تطالبهم ببحث علمي جاد؟ وللأسف هناك عقليات بيروقراطية حنبلية لا تؤمن بغير فكرها ورؤيتها؛ فكيف تطالبهم بزيادة الإنفاق على البحث العلمي؟ ومؤسف اكثر اذا تذاكى عليك بعضهم ونظّروا عليك بأفكار غيرهم، ومما يزيد الألم ان الباحث الناجح يحارب بأسلحة واهية، وتحاك حولهالدسائس ، وبعدئذٍ يقولون بحث علمي ! ولدي شواهد كثيرة في هذا المجال زودني بها اساتذة وعلماء اجلاء جميعهم يمتلكون منظومة اخلاقية وعلمية لا يشق لهم غبار. ويشكو معظم الباحثين من تغيير سياسات البحث العلمي في جامعاتهم بسرعة البرق تارة يطالبونهم بأبحاث مشتركة ، واذا نشروا بحثا مشتركا يواجهون باللوم؛ وكأنهم هم المسؤولون عن سياسات المجلات العلمية المحكمة في ترتيب اسماء الباحثين او عدم نشر اسماء جميع الباحثين على البحث او سقوط بعض الأسماء عن البحث، وتارة تقول الجامعات لا نريد بحثا مشتركا، سبحان الله كيف تتغير سياسة البحث العلمي بتغير المسؤول في الجامعة، التشريعات الجامعية تحتاج الى استقرار، لا الى تبديل وتغيير سنوي لم يعد يعرف فيه العاملون اي التعليمات هي المطلوبة لكثرة التغيير! 
وبعد، لا بد من استغلال جميع الفرص الجادة وعدم الركون إلى التعقيدات البيروقراطية المزعجة للباحثين، وهذا يتطلب إدارات واعية لاهمية البحث العلمي لكي تدخل الجامعات نادي المنافسات الحقيقية في التصنيفات العالمية العلمية الصحيحة، وللأسف تركز الجامعات على تصنيفات تجارية ليس لها اي قيمة علمية!ولذلك، مطلوب من الجامعات ان تعيد النظر في سياساتها تجاه البحث العلمي، لا ان تترك جملة التعقيدات تفتك بالبحث العلمي وتطالب الأساتذة تزويد الجامعات بأبحاثهم، وحين ينشر الباحث بحثه حسب الأصول العلمية الحقيقية يواجه بسيل من الاسئلة  تُسيء له تجعله يُحجم عن البحث العلمي، وحينها تخسر الجامعات الباحث تلو الاخر من أساتذتها، والنتيجة غياب البحث العلمي، وفقدان الثقة بين أطراف المعادلة داخل الجامعات.
 ولعل الدورة البحثية الاولى التي أعلن عنها صندوق دعم البحث العلمي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لهذا العام تثير شهية الباحثين لتقديم مشاريعهم البحثية؛ خاصة ان الصندوق لا يبخل عليهم بالجهد والمال والمتابعة والتشجيع، والمطلوب ان يلتفت الباحثون الى نوعية المشكلات التي يعانيها بلدنا لقراءتها ومعالجتها بالبحث والتقصي والمشاريع الجادة للوصول الى نتائج  علمية وعملية تعالج الخلل ما امكن ذلك سبيلا، والأمل بالجامعات ان تحث أساتذتها وباحثيها الى أهمية هذه الدورات البحثية في الإفادة من المال المتوافر في الصندوق لمشروعاتهم وأبحاثهم، وان كان من شكرٍ يقدم فهو للباحثين الجادين وللجامعات التي تحترم البحث العلمي وتنفق أموال البحث العلمي حسب الأصول ممثلة بصندوق دعم البحث العلمي وما يقوم به من إنجازات جادة لصالح البحث العلمي في الأردنِّ . 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)