TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
أسلحة الحوار
16/04/2015 - 6:30am

طلبة نيوز- د. صلاح جرّار

تتمايز الشعوب تحضراً وتخلفاً بكثير من الظواهر، منها أدوات الحوار وأسلحته ووسائله، كما يتمايز الناس رقيّاً وتخلفاً بهذه الوسائل، فمن الناس من يحاورك بالمنطق وتقديم الأدلة والبراهين فقط، وهذا النوع من أكثر الناس تحضراً، ومنهم من يحاول إقناعك بالصراخ والصوت المرتفع، وهو بذلك يعبر عن ضعف فكرته فيحاول التعويض عنها برفع عقيرته والإفراط في تحريك يديه ورأسه وأشداقه وربّما بالضرب بقبضته على طاولة الحوار. ومنهم من يخفق في محاججتك فيلجأ إلى الكذب وإعطاء معلومات عارية عن الصحة وهو أعظم خيانة لأصول الحوار، وهو كالملاكم الذي يخفي في قبضته قطعة معدنية كي يتغلب على خصمه بها.
ومن المحاورين من يستخدم سلاح التهديد والوعيد تصريحاً أو تلميحاً في مواجهة حجتك ودليلك، وهذا السلاح لا يعدو أن يكون نوعاً من الاستعباد والاستبداد ونسفاً لأهم أصلٍ من أصول الحوار وقواعده وقلباً لطاولة الحوار.
ومنهم من يحرّف كلامك ويحاول فهمه فهماً خاصّاً ويتهمك بقول ما لم تقله كي يحملك مسؤولية هذا القول وتبعاته التي تعود بالضرر عليك، وهذه الصورة قريبة من الصورة السابقة التي تقوم على التهديد والوعيد وتمثل شكلاً من أشكال الابتزاز الخبيث.
إن هذه الأسئلة المستخدمة في الحوار موجودة في كل زمان ومكان، وما يستخدم منها يحدد شخصية المحاور ومدى وعيه ورقيّه أو تخلفه وجهله، كما أن انتشار هذه الأسلحة مؤشر على مدى تحضر المجتمع ورقيه أو تخلفه أو جهله، فإن كان جمهور المشاهدين يخدعون كثيراً بمن يرفع صوته فإنه يكون جمهوراً ينتمي إلى مجتمع قليل الوعي والإدراك، وإن كان جمهور المشاهدين يحكم على نتائج الحوار من خلال ما يقدم فيه من التهديد والوعيد وإثارة العصبية المذهبية أو الطائفية أو القبلية أو العرقية أو الجهوية فإنه أيضاً يكون جمهوراً ينتمي إلى مجتمع يسوده الجهل والضلالة وضعف الوعي. وإن كان جمهور المشاهدين مؤيداً لمن تكون حجته واضحة ومقنعة وسديدة وتقوم على المنطق فإنه يكون جمهوراً منتمياً إلى مجتمع متحضر يتمتع بالوعي والإدراك والنظر الثاقب والقابلية للتقدم.
ولو نظرنا إلى حواراتنا نحن العرب حتى في مجالس كبار المثقفين والعلماء والسياسيين والمفكرين فإننا قلّما نجد من المتحاورين من يستخدم سلاح المنطق والحجج والبراهين، وقلّما نجد من المشاهدين من لا يتأثر بأسلحة الكذب والافتراء والصراخ والتهديد وإثارة النزاعات والعصبيات.
فإذا أردنا أن نعود إلى جادّة الحق والتقدّم فما علينا إلا أن نختار في حواراتنا سلاح العقل والمنطق والنظر السديد، وأن لا ننساق وراء اللغو والكذب واللعب بالمشاعر البغيضة.

التعليقات

عبدالله النعيمي (.) الخميس, 04/16/2015 - 14:59

كلام جميل ومرتب ومهذب ينم عن تهذيب صاحبه . شكرا دكتور صلاح استمتعت بقراءاتة هذا المقال.

د محمد شريف الشريده (.) الخميس, 04/16/2015 - 15:48

يمكن اعتبار مقاله معالي استاذنا الكبير الذي نحترمه ونقدره، فيها اطاراً عاما وخاصاً يجب تبنيه لتفعيل خطة استراتيجية للغة الحوار المطلوب استخدامها في هذه الايام!
ولأننا نعيش ضمن منظومة الدولة والوطن، ألا تعتقد معي استاذي الكريم، بأن قنوات التطبيق لهذا المفهوم الحواري يجب ان تأتي ضمن محور رباعي الاتجاهات. الأول محور مرجعي ثابت يحكم مؤسسات الدولة المختلفة ولا يقبل الاجتهاد أوالتأويل، ولتأتي نتائج الحوار الذي نبتغيه على وجه يحفظ طبيعه تلك النقاشات. ثانياً محور تحكم مرجعيتة الثوابت الأخلاقية والسلوكية التي تؤسس لها وحدات المجتمع المحلي المحكوم بالبيئة والظروف المحيطه. اما المحور الثالث فيتعلق بأطراف الحوار ومدى رقيهم وتحضرهم واستعدادهم لهذه النقاشات سواء أكانت حكوميه أو خاصه وأخير القضاء الفعال المحايد والنزيه التي تستند اليه قضايا الحوار واطرافه.
لقد ذكرت يا دكتورنا الفاضل وانت الرجل العالم والاكاديمي المتميز والخبير المسؤول المخضرم وما تزال في بعض دوائر القرار كمجلس التعليم العالي، الكثير من الشواهد والدلالات ذات القمية الحواريه القائمه؟ الا تجد في كثير منها تجني طرف على طرف خصوصاً اذا الاخر حكومياً حيث يفرض حوارا من طرفه فقط ومثالها المجالس المشار اليها في المقال. فتجدهم بعضهم متمسكون بفكر انطباعي مبني على الدعايه والكذب والافتراء حتى لو كان المحاور الاخر هو الرسول عليه الصلاة والسلام وسلاحه المنطق والحجج والبراهين بما فيها التي تصدر عنهم.
وعبارتك المقتبسه (فإذا أردنا أن نعود إلى جادّة الحق والتقدّم فما علينا إلا أن نختار في حواراتنا سلاح العقل والمنطق والنظر السديد، وأن لا ننساق وراء اللغو والكذب واللعب بالمشاعر البغيضة) هي حقيقه لا بد منها انتهاجها.
واسمح لي بأن اضيف بانه يجب علينا الابتعاد عن المجاملة في الحوارات ونتقي الله فيها حرصاً على الوطن وقائده دون انتظار المكاسب والمكافئات جراء فرض توجيهات خاطئة من هذا الفرد أو ذاك المسؤول دون ادنى حوار تحكمه القواعد والأصول. وهل حقاً يا استاذي الكبير أصبح لدينا الاستعداد والجرأة باعادة النظر بحوارتنا السابقه والخاطئ منها والاعتراف باننا قد اخطأنا وحان الوقت للتصحيح؟ سؤال برسم الاجابه اتمنى الاجابه عليه؟

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)