TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التراب
10/03/2015 - 12:00am

طلبه نيوز

عبدالهادي راجي المجالي
زمان حين كنا أطفالا ونخرج للعب فإن أول تهديد تطلقه الأم لنا :- ( دير بالك تلعب في التراب ) ....في حارتنا اصلا لايوجد (أرجوحة) ولا (سحاسيل) كان هناك سور مائل قليلا , نمشي عليه , وساحة نستعملها للعب كرة القدم , (وبكم) قديم متهالك وعامل وافد يمر من الطريق , ولحظة عبوره نبدأ بقذف الحجارة عليه بإعتباره جزءا من اللعب .
وحين نستنفد كل شيء , نبدأ باللعب في التراب ..أصلا التراب ليس لعبة ولكن لأن تهديد الأم كان حادا ...كنا نريد أن نكسر كلامها , ومن مميزات اللعب في التراب -وهذه الميزة بالطبع اكتشفناها متأخرا - أننا كنا نترجم المثل القائل :- ( من طين بلادك لط خدادك) ...
في بعض المرات , كنا نقوم بخلط التراب مع الماء ونحاول أن نصنع منزلا صغيرا من الطين , وفي أحيان اخرى كنا نقذف بعضنا به , وأنا كنت أنهي اللعبة دائما بقيامي , بوضع كومة من التراب الناعم على رأس (حسونه) ...وبالطبع تأتي أم حسونه كي تشكو , إلى أمي ..ويكون العقاب حادا ...يا ما تسببت لي أم حسونه بالصفع , وفي بعض المرات كان القايش يثأر لحسونه ...واثناء تعرضك للعقاب تنطلق العبارة المشهورة :- ( مش قلتلك لا تلعب في التراب ) ...وأنا تفاديا للعقاب أكذب وأقول :- ( توبه توبه والله ما ألعب في التراب) ...
المشكلة , أنه كلما دخل فرد من العائلة إلى المنزل وشاهد الدموع سأل عن السبب والجواب :- ( طامر حالو في التراب ..شايف هالحيوان شو مسوي في حالو) ..
وفي اليوم التالي نلتقي أنا وحسونه في الطريق إلى المدرسة , وهو بالمناسبة فتى طيب يخبرني بكل شيء ويقول لي عن توصيات أمه فقد أخبرته :- ( لا تلعب مع عبدالهادي ..هاظ ولد حيوان) ..ويخبرني بتوصيات أبيه فقد قال له الوالد أيضا من قبيل شحذه بالهمه :- ( إذا حط تراب ع راسك مرة ثانية إفشخو) ...وأنا أعرف أن حسونه لايقوى على إيذاء دجاجة .
البارحة - وأنا لا أوظف حدثا لخدمة مقال صدقوني – وقفت على إشارة رأس العين متجها لعملي , وفوجئت برجل يطرق شباك السيارة ,من الباعة المتجولين ويريد مني أن اشتري لعبة أطفال , تأملت في ملامحه قليلا ...هو عرفني وأنا عرفته ..إنه حسونه الذي كنت أضع التراب على رأسه , وتأتي أمه لتشكو علي ....غادر خجلا لم يتركني أسأله عن العمر وعن سبب الشقاء , وأنا أزعجتني أبواق السيارات فقد تغير ضوء الإشارة للأخضر ....وإختفى حسونه في الزحام .
يا صديقي ...كنت أريد أن أدعوك كي نعود سوية للطفولة واللعب في التراب أنا لن اضع التراب على رأسك هذه المرة , فقد قمت أنت بسكبه فوق رأسي .. .
يا صديق وها هو رأسي مغطى بالتراب , ولا أدري هل ظلمتنا الأيام أم أن التراب هو الظالم .

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)