طلبة نيوز

د. هند أبو الشعر

لم تترك لنا الأحداث المجنونة منذ انفجار  ما سميناه بالربيع العربي فرصة التقاط الأنفاس للتفكير في العواقب القاهرة التي تركها هذا الجنون على التربية والتعليم ، وما فعلته هذه الأحداث في الجيل من عطب ، كنا قبله نراقب انخفاض نسب الأمية في الوطن العربي بتفاؤل ، وننتظر اليوم الذي تختفي فيه الأمية  بين العرب ، ولم يخطر ببالنا أن تنفجر الأمية هكذا بين الجيل العربي الجديد ، لتحول الأطفال والفتيان والفتيات إلى جيل من المهجرين ، يعمرهم الخوف والرعب من الموت والدمار ، ويعيشون مع أسرهم في الصفوف الدراسية والساحات المدرسية المكتظة بالعرب الذين دمرت بيوتهم وأسواقهم ،  فاحتلوا المدارس ، واضطر طلبتها للقبول بالأمر الواقع الذي لا بديل له غير العراء .. هذا ما حدث في كل بلاد العرب التي ضربها تسونامي العنف والإرهاب ، فمدارس بغداد توطنت فيها الأسر الخائفة والمرعوبة من جنون الإرهاب ، ومدارس لبنان تسكنها العائلات السورية الهاربة من الموت ، وربما كان الأخوة الذين لجأوا إلينا أحسن حظا من الجميع ، فهم في مدارسنا ، ولهم مدارسهم في الزعتري ، ولم يتم احتلال مدارسنا وإقصاء طلبتنا كما حدث في دول أخرى شقيقة ، وربما كان طلبة سوريا الذين  جاءوا إلينا يتمتعون بنفس امتيازات طلبتنا ، لم يفقدوا فرصتهم بالتعليم وأحسوا بالأمن ونعمة العلم والاحتضان الأخوي ، وهو ما يترجم حالة معروفة في الأردن ، فقد اعتدنا أن نفتح قلوبنا وبيوتنا ومدننا وقرانا لأهالي بلاد الشام عبر مسيرة هذا الوطن منذ العشرينيات وحتى اليوم .
ربما لم نتوقف حتى الآن لنحاول دراسة الآثار المؤسفة للهجرات على الجيل العربي المسكين الذي كتب عليه أن يفقد الوطن والمدرسة ونعمة الأمن والاستقرار، وربما سيأتي اليوم الذي تفجعنا فيه الإحصاءات عن نسبة تفشي الأمية بين جيل أطفال وفتيان العرب وشبابهم الذين طاردهم جنون تسونامي الزلزال العربي المجنون ، فكيف يمكننا أن نتعامل مع جيل عربي تتفشى الأمية بين صفوفه ، وينتشر بينه  العنف وقبول الإرهاب  والجهل ، وكلها مميتة وقاتلة ، تدمر ولا تبني ، وإذا كان هذا الجيل يقبل الجهل ولا يعرف التربية ونعمة التعليم ، فما هو مصير العرب القادم في هذا القرن الذي يتفجر بالعلم والمعرفة والتقنيات الفائقة ..؟ كيف سيصبح حال  المستقبل العربي الذي سيبنيه ( أو يهدمه ) جيل تربي بلا مدارس ولا تربية في ظل الرعب والتهجير وسياط الإرهاب ..؟ كيف ..؟
هل ترونني متشائمة ..؟ هل فكرتم مثلي بهذا الرعب القادم ..؟ انتظروا هذا الخطر مع جيل العرب الذين قتلوا أنفسهم بأيديهم ، وحملوا أطفالهم الأسلحة والإرهاب بدلا من الفكر والعلم والأحلام .
وأصارحكم أكثر لأقول بأن ما سيكتبه أدباء هذا الجيل سيكون أدبا معطوبا ، والفن الذي ينتجونه مرعوبا ، أقول هذا والأسف يمزق قلبي خوفا على مستقبل جيل العرب الذين ظلمهم الآباء والحكام والفكر المتطرف  ، وحرموهم نعمة العلم والمعرفة والأمان .ويسترها ربنا .