TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
ثرثرة صباحية في البنك!
09/03/2015 - 3:15am

طلبة نيوز- ماجد توبة

بكل بساطة و"سلام داخلي"، يقدم لك موظف البنك، الوسيم والرزين، بربطة عنقه الجميلة، ويديه الناعمتين نعومة ابتسامته في وجهك، حسبة قرضك البنكي الإسكاني، بعد خمسة أعوام كاملة من الدفع الشهري، من راتبك وراتب زوجتك، لقسط شهري يناهز الأربعمائة دينار.
لكن فجأة، يصبح هذا الموظف غير وسيم، ولا هادئ ولا لطيف، بل وتحقد على ربطة عنقه، ونعومته الفائضة عن الحاجة. فهو بكبسة زر على الكمبيوتر أمامه، يُخرج لك كشفا بما دفعته عبر سنوات خمس من اقتطاعات أثقلت موازنة عائلتك، المتواضعة، ليرد عليك الموظف، أنك سددت حتى اليوم تسعة آلاف دينار من ثمن بيتك، وبقي عليك 28 ألفا.
وكأي مواطن أردني، كامل الدسم بحنقه على الأوضاع المعيشية والاقتصادية المزرية في عصر حكومة د. عبدالله النسور الرشيدة، "هبّيت فيه"، وكأن من يجلس أمامي هو آدم سميث أو كينز، لعن الله كل نظرياتهما الاقتصادية ورأسماليتهما: "كيف 9 آلاف، أنا أدفع 400 دينار شهريا منذ خمس سنوات؟!". فيبادرك بهدوئه المستفز، بالقول: "لا أنت دفعت 24 ألف دينار، 9 منها من ثمن البيت (القرض) والباقي مرابحة"! رددت بحنق أكبر: "15 ألفا فوائد؟!". فصعقني أكثر برده المستنكر: "ليست فوائد يا أستاذ، بل مرابحة إيجار"! على قاعدة أن بنكه يعمل وفق الشريعة.
ويبدو أنني وجدتها فرصة للتعبير أكثر عن حنقي من كل شيء، فقلت بحدة: "لا بل فائدة بنكية.. وفكّني من قصة مرابحة وشرعية". فتراجع قليلا، وعاد لهيئته الأولى، هادئا وناعما، لكنه ظهر هذه المرة جامدا، وأحسست به وقد اندمج بالكمبيوتر أمامه فباتا جهازا واحدا!
بعد صمت العاجز، سألت ببلاهة: "والحل؟". فرد الكمبيوتر، أقصد الموظف: "يمكن أن تجدول وتدفع جزءا من القرض أو ترفع نسبة القسط الشهري لتقل المرابحة (الفائدة) وسنوات القرض". ابتسمت، وأرحت ظهري على المقعد المريح، وتساءلت في داخلي: "كيف يفكر هذا الرجل؟!.. كيف لي برفع قيمة القسط وقد أثقل كاهلي قسطه بقيمته الحالية؟!.. وكيف تجرأ وفكر بإمكانية أن أدفع دفعات من القرض لأخفف نسبة الفائدة؟!".
بعد التساؤل الداخلي، ضحكت. ويبدو أن سكينة الراضي بعجزه وحاله نزلت علي تلك اللحظة، فالتفت إلى الموظف المسكين أمامي، وفاجأته بهدوئي وتغير ملامح وجهي، وقلت: "آسف، وشكرا لك"! فرد علي بالجملة التي اعتاد موظفو البنوك تردادها يوميا، عشرات المرات: "العفو أستاذ... أي خدمة أخرى"!
خرجت من البنك مسرعا، ووقفت أمام واجهته، وأشعلت سيجارتي، وأخذت نفسا عميقا كاد يحرق جوفي. وقفت أرقب حركة عشرات السيارات المسرعة في الشارع أمامي، لموظفين، كما بدوا في تلك اللحظة، متجهين إلى أعمالهم، كما اعتادوا كل صباح منذ خمس سنوات، مثلي تماما، وكما سيواصلون فعله على مدى السنوات العشر القادمة، وهي الفترة المتبقية لإنهاء قرضي السكني.
ثم ضحكت، حد القهقهة، وأنا أطفئ ما تبقى من السيجارة تحت نعلي؛ فقد لمعت الفكرة الخبيثة برأسي سريعا، وأنا أرقب سيل سيارات الموظفين مسرعة أمامي باتجاه أعمالهم.
وجدت نفسي أقول بتشف غير مفهوم: أسرعوا ولا تتأخروا عن أعمالكم.. فالبنك ينتظر منكم فوائده آخر الشهر.. والموظف الوسيم والأبله سيبقى هناك أمام كمبيوتره.. ينتظر قدومكم ليصارحكم، هو وكمبيوتره، بكل جلافة وجمود، بما تخفيه بدلاتكم وذقونكم الحليقة، وأحذيتكم اللامعة صباحا، من أنكم مجرد فقراء متكلفين، مجرد رهائن لنظام بنكي واقتصادي لا يرحم، يعيش وينمو فقط على "فوائدكم"!

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)