TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
كيف انتصرت غزة ؟
19/08/2014 - 12:30am

طلبة نيوز- الدكتور شفيق علقم

ايمانا بان النصر من عند الله ،وعملا باعداد العدة ، واقتناعا بمنطق المقاومة دربا وسبيلا ، وتأكيدا على العزيمة الصادقة والصبر والثبات اسلوبا ، انطلقت الفئة القليلة المؤمنة بربها وبعدالة قضيتها ، ذات الايادي المتوضئة النظيفة ،التي باعت نفسها لله فاعزها الله بنصره وتمكينه ، فخاضت اشرس معركة مع جيش العدو الصهيوني الذي قيل انه لا يقهر ، وقيل انه رابع اقوى جيوش العالم ، واقوى جيوش الشرق الاوسط كلها .
لم تحرز غزة النصر من فراغ وخلو وراحة و دعة او من رخاء واسترخاء وانتظار ، وانما جاء نصر الله بعد اعداد وتخطيط وعمل دؤوب في التطوير والتحديث والتغيير ، فلا كلل ولا ملل ولا تعب ولا استرخاء لهذا الشعب الصابر ، اذ لم تتوقف آلة تطوير وتحديث المقاومة وكوادرها عن الاعداد والعمل والتهيئة - لكل فصائلها- يوما عن تطوير نفسها وتحديث بنيتها التقنية وسلاحها المتطور وتدريب فرقها وكوادرها المغوارة ، واول ما تنبهت للعمل به وحرصت عليه، والذي كان السبب الاهم في النصر ،وهو توحيد سلاح المقاومة بكل فصائلها واجنحتها واذرعتها العسكرية والجهادية والقتالية والقيادية على راي واحد ، بخطة ثابته موحدة، وهدف اجرائي محدد واضح ، بعد ان تأكدت من انحياز الشعب بكل فئاته لها ،واتخذت قرار الالتزام بالثبات والاقدام وعدم الرضوخ والاستسلام تحت كل الظروف.
طورت تقنياتها وصناعاتها الحربية اللازمة مع قلة ذات اليد والحيلة ، وضعف الامكانيات المتواضعة ،حيث كانت قدراتها الصاروخية سابقا لا تتعدى حمل اكثر من ثلاثة كيلوغرامات من المتفجرات ،ولا يصل مداها اكثر من عشرة اميال ؛ فاصبحت الان تحمل صواريخها اضعاف مضاعفة من المتفجرات، وتعدى مداها اكثر من 120 كيلومترا ، حيث ابعد نقطة في الكيان الصهيوني ،وقد طورت من ابسط الآلات والاجهزة لديها طائرات بدون طيار ، و اوجدت انواعا مختلفة من آلات ومعدات التجسس الحديثة لمعرفة اسرار العدو وضرب الاهداف المطلوبة . ورغم الحصار الجائر، ورغم ان ماكينة القتل والتدمير الاسرائيلية لم تتوقف ، فقد استطاعت المقاومة من تغيير استراتيجياتها البرية والبحرية والجوية ، فاعتمدت اساليب المواجهة منذ اللحظة الاولى ، واتخذت زمام المبادرة والمباغتة ، وتفوقت بهما ، كما انها قامت بابتكار وتنظيم عمليات عسكرية وتكتيكات قتالية حديثة ، برية وبحرية وجوية ، لم يعهد بها العدو سابقا ولم تخطر على باله، كما فعلت في اقتحام كتيبة زيكيم العسكرية .
والى جانب ذلك فانها اشعلت نار حرب نفسية موازية ،هدفت بها زعزعة الروح المعنوية وروح الطمأنينة والاستقرار لدى قطعان المستوطنين الاسرائيليين ، وادخال الهلع والرعب والذعر والخوف الى قلوبهم ، مما جعلهم وبخاصة سكان المستوطنات (غلاف غزة) يتركون منازلهم ومستوطناتهم ويهربون بجلودهم . كما شنت المقاومة حربا اقتصادية ضد السياحة الاسرائيلية ؛ فحذرت شركات الطيران العالمية من استخدام مطارات اسرائيل بعد ان قصفت بصواريخها بعيدة المدى مطار اللد ومطار بن غوريون الدولي .
ان صواريخ القسام المتنوعة لم تتوقف عن القصف وضرب الاهداف المرسومة ، وقد افشلت بمهارة صنعها القبة الحديدية التي زعموا انها حاميتهم في ايقاف صواريخ المقاومة، فكشفت فشلها ، وبذلك فانها لم تعد تكفي لحماية مواطنيها ، الذين اخذوا يهرعون للعيش تحت الارض ساعات طويلة ، في حين ان اطفال غزة اخذوا يتسابقون للصعود على اسطح المنازل ، رغم التدمير والتقتيل ، ليشاهدوا صواريخ القسام عند انطلاقها ليباركوها بالتهليل والتكبير.
ان الجيش الاسرائيلي لاول مرة منذ 1948 اخذ يعيش حالة من الخوف الجماعي، مما حدا بفصيل من لواء النخبة (الجولاني) لديهم ، بالتمرد على الاوامر ؛ لما رأوه من جحيم الشجاعية.
لقد قلبت هذه الحرب عملية "العصف الماكول" الموازين وبخاصة المعيار النفسي ؛حيث اعطت زخما رافعا للفلسطينين في غزة وخافضا لللاسرائيليين في كل مكان .
لقد فشلت الاستخبارات الاسرائيلية ونكصت على اعقابها في معرفة المعلومات المهمة عن منظومة الاتصالات والسيطرة للمقاومة، كما فشلت في استكشاف ابعاد القوة الحقيقية لرد الفعل المتوقع ، مما اوجد حالة من الهزيمة النفسية لدى جيش الاحتلال الصهيوني لاول وهلة ؛وعلى العكس فان المقاومة نجحت كل النجاح في ضرب الاستخبارات الاسرائيلية وتعمية الاهداف الخاصة ، ولم تستطع قوات العدو بما اوتيت من تقنيات وادوات استخبارية ان تعرف ارض المقاومة ومآلاتها ،وما استطاعت اغتيال اي قائد ميداني لكتائب القسام في هذه الحرب الفاشلة لهم ؛ لذلك فقد صب جيش اسرائيل جام غضبه على المدنيين من الاطفال والنساء والشيوخ، وعلى هدم المنازل والمؤسسات وتخريب الاراضي الزراعية،ومما اذهل العدو الصهيوني واربك قواته عملية الانزال البحري وضرب قاعدة زيكيم البحرية، حيث فجرت المقاومة معابر الكيان الصهيوني لها، وكشفت معلومات استخبارية للعدو بالطائرات بدون طيار فضربتها واصابت اهدافا بالمواد المتفجرة التي تحملها.
لقد جاءت المقاومة الفلسطينية من خلال هذا التحدي بمفاجآت اذهلت العدو الصهيوني ، كما اذهلت العالم كله عربا وعجما حينما سقطت صواريخها قرب المفاعل النووي الاسرائيلي ،وقرب بيت نتنياهو نفسه واستمرار قصف الاماكن الحساسة في اسرائيل ، سواء في تل ابيب وحيفا والقدس وبئر السبع؛ مما اصاب قادة اسرائيل بهستيريا جنونية فجعلتهم يقصفون غزة بحماقة وعلى غير هدى.
لقد بذلت المقاومة وعلى راسها حركة حماس جهودا جبارة في تأسيس الحياة النفسية والاجتماعية الجديدة لسكان غزة ، فخلقت شعبا جديدا منسجما متآلفا - بعد ان قضت على ثلة من الخونة والعملاء - انحاز جميعه الى مبدأ المقاومة طواعية، واستجاب لاسباب التطوير والتغيير الذي حدث في نسيج المجتمع الفلسطيني في غزة ،عن معنى الحياة وتفسيراتها ،حيث اصبحت ثقافة الشهادة تعمر قلوب الشباب والنساء والشيوخ والاطفال ،وغدت مطلبا اسمى وغاية لهم ،وهي الطريقة الوحيدة للحياة بعزة وكرامة ، فلا خوف ولا وجل ، فالموت والحياة عند هذا الشعب سيان، لانهما بيد الله سبحانه وتعالى ، وقد اخذت العوائل الفلسطينية في غزة تتسابق لتكوين تاريخها الاستئهادي بجمع اكبرعدد من الشهداء فيها ،اذ اعتبرت الشهادة في سبيل الله كنزا وثروة للاسرة وتاريخها.هذا الشعب الجديد قد نزع لباس الخوف واستبدله بلباس التقوى والارادة والاقدام والشجاعة والصبر والسلوان والامل بالله العظيم .
لقد شمل التغيير والتطوير والتحديث كل مناحي الحياة في غزة ، فالشعب وضمن الامكانيات، رغم الحصار الظالم ، قد اصبح لديه اكتفاء ذاتي في الانتاج الزراعي فيما يتعلق بجميع الخضروات والدواجن والفواكه .
واما على جانب تطوير التعليم وتحديثه ،الذي لم يتوقف رغم اجواء الظلام الدامس ،فقد استمرت المسيرة على احسن وجه رغم كل التحديات حيث تم بناء المدارس ،وتطوير المناهج ،وتوظيف وتدريب المعلمين ،وتم تشجيع طلبة الجامعات بفتح باب التنافس في مجال الابتكارات التكنلوجية والاختراعات العلمية ... وقد افاد تقرير دولي بان التعليم في غزة ياخذ باسباب التطوير والتحديث بشكل كبير ،ويعمل على النهوض والارتقاء به وبنوعيته رغم تحديات الاحتلال.
كما لم تتوقف حركة التجارة الداخلية واستجلاب الاحتياجات الاساسية للناس عبر الانفاق المتبقية على قلتها ، بعد ان قامت مصر بتدمير اغلبها ، ولم تتوقف حركة البناء والتعمير واعادة بناء الانفاق وترميمها واعادة فتحها ، ولم تتوقف معدلات النمو العام رغم الحصار والاحتلال.
وهكذا وبعد ان اشعل لهيب صواريخ المقاومة صيف غزة ، انتصرت غزة بدمائها ودماء ابنائها ،وحقق المقاومون المجاهدون ثباتا اسطوريا وتمكينا ونصرا وتاييدا من الله تعالى ، فقد انتصرت المقاومة بجميع فصائلها وقادتها واجنحتها العسكرية واذرعتها القتالية ، كتائب القسام ،وسرايا الجهاد ،ولجان الناصر صلاح الدين ،والمقاومةالشعبية ( ابو علي مصطفى) وكتائب ابو الريش، وجهاد جبريل ،وجيش الاسلام، وغيرها من كتائب المقاومة ؛ وقد انبثق عن هذا الانتصار فجر فلسطيني جديد، انتصرت فيه غزة، وحققت المعجزات رغم الدماء الغزيرة والدمار الشامل ، وكرس الانتصار امل التحرير الكامل الذي لاح في الافق . وفشلت اسرائيل فشلا ذريعا استثنائيا ،وستلاحقها الهزيمة الاخلاقية بما ارتكبت من قتل للاطفال والنساء والشيوخ ،وتدمير للمزارع والمستشفيات
ومع ذلك فقد هزمت (الميركافا ) وتجمدت مكانها اما م ضربات المقاومة، فغدت لا تقوى على الحراك الا على النكوص والهروب - ان استطاعت- وظهرت اسرائيل مرتبكة باعترافاتها بالهزيمة، حيث ظهر نتنياهو خليفة هتلر في العالم ، يجر اذيال الخزي والهزيمة والعار.
وعلى الجانب الفلسطيني الايجابي فقد اظهرت هذه الحرب ان الدم الفلسطيني لا يمكن الاان يكون صافيا لا عكرا ولا ملونا الا بلونه العربي الحقيقي الاحمر القاني، فتجاوب الفلسطينيون في الضفة وتضامنوا تضامنا قويا مع اشقائهم في غزة خلال انتفاضتهم ،كما تجاوب الاخوة في اردن الرباط والحشد فهبوا بتقديم المساعدات العينية الطبية منها والغذائية المادية والمعنوية فثبت ان الالم واحدا وان الجرح واحدا ،فاثارذلك كله النخوة والعزيمة في النفوس والامال في القلوب، وغدا مطلب الوحدة الفلسطينية والعربية اشد الحاحا والتزاما وقوة ليلتحم الشعب بكافة فئاته مع المقاومة، فلا يجوز ان تبقى المقاومة هدفا يستفرد بها العدو ولا ان تبقى السلطة هدفا يستضعفها وينال منها ويوجهها وفق ارادته ، فالوحدة الوطنية تزيد الفلسطينين والعرب قوة على قوة ،وترأب الصدع وتشفي الالام والجروح ،والله المستعان.
 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)