TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
نحو استراتيجية وطنية للتعليم
26/11/2014 - 3:45am

طلبة نيوز- د. ابراهيم بدران*

على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية تم وضع العديد من التصورات والسياسات والاستراتيجيات الخاصة بالتعليم، ومع ذلك لابد من الاعتراف بأن ما تم تنفيذه على أرض الواقع من منظور استراتيجي كان محدوداً للغاية. ولم يتحقق اصلاح جذري أو قفزة نوعية في التعليم رغم الجهود والتطلعات والآمال الوطنية الكبيرة.
من جانب آخر، هناك مدرستان في التفكير الاستراتيجي: الأولى تنطلق من المعطيات القائمة والحالة السائدة وتسعى للوصول إلى معطيات أفضل وحالة متقدمة عن الحاضر، وهذا ما قامت عليه الجهود السابقة. والثانية تنطلق من تحديد الأهداف الوطنية الكلية المطلوب الوصول اليها ومن ثم رسم الاستراتيجية الوطنية التي يمكن ان تحقق تلك الاهداف. أي أن الأولى تنطلق من إعادة الهندسة الداخلية للقطاع، والثانية تنطلق من الهندسة العكسية.
لقد أثبتت تجارب الكثير من الأمم وخاصة الدول الناهضة أنه حين يتعلق الموضوع بالدولة ككل والمجتمع بمختلف شرائحه ومكوناته فإن المدرسة الثانية هي الأفضل. والسؤال هو: ما الذي يتطلع إليه الأردن ( الدولة والمجتمع ) بعد عشر سنوات وما هي استراتيجية التعليم التي يمكن أن تساهم بتحقيق ذلك بكفاءة وفاعلية؟
من المتوقع في عام 2025 أن يكون الاردنيون قد تجاوزوا (11) مليون نسمة، وتجاوز عدد طلاب التعليم بفروعه ومستوياته المختلفة (3.3) مليون طالب، وعدد المعلمين والاساتذة الجامعيين (170) ألف معلم واستاذ، وان يكون الناتج المحلي الاجمالي بمعدلات النمو الحالية قد تجاوز (35) مليار دينار، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في حدود (3500) دينار بالاسعار الثابتة. وتعني هذه الملامح والمؤشرات في جانبها الاقتصادي عدم الخروج من عنق الزجاجة. ومن هنا، فإن تطلعاتنا الوطنية أن يبدأ الأردن خلال السنوات العشر القادمة التحول نحو الاقتصاد الصناعي، والانتقال من الاعتماد على المساعدات والقروض إلى الاعتماد الذاتي والإنطلاق من الامكانات الأردنية نحو الانتاج عالي القيمة المضافة والقائم على مضاعفة مدخلات العلم والتكنولوجيا لتصنيع جميع القطاعات على طريق التحول إلى اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة. فيتم تصنيع الزراعة والنقل والسياحة والخدمات لتحويل الأردن إلى دولة ناهضة بحلول عام 2040 وبمتوسط لدخل الفرد لا يقل عن (7.5) ألف دينار أي ضعف الرقم المرتبط بمعدلات النمو الحالية. ويتوقع أن يكون الأردن قد وجد الحلول العملية والعلمية والتكنولوجية المثلى لمشكلات المياه والطاقة والتصحر والزراعة والبطالة والتغيرات المناخية وسواها.
وهنا لا بد من التساؤل، ما هي الاسترتيجيات القطاعية الوطنية التي يمكن أن توصل البلاد إلى الدولة الناهضة التي يتطلع اليها الأردن؟ وهل يشكل التعليم محركاً أساسياً في صيرورة التحول والانتقال؟ وإذا كان الجواب بالايجاب، فأي استراتيجية للتربية والتعليم يمكن أن تحقق هذه الأهداف ؟ أية مدرسة وأية جامعة وأي معلم وأي استاذ بل وأي طالب وأي خريج للمدرسة وللمعهد وللجامعة يستطيع أن يكون عضواً فاعلاً في كل ذلك ويكون لبنة حقيقية في مجتمع المعرفة.

التربية والتعليم
يجمع الخبراء والباحثون أن التعليم في إطاره العلمي والتربوي وبأنواعه ومستوياته المختلفة يشكل الأساس الذي تقوم عليه نهضة الدول والمحرك الرئيسي للحفاظ على استمرارية المجتمعات وتقدمها. والحقيقة أن التعليم أولاً والثقافة المجتمعية ثانياً والإعلام ثالثاً تشكل وتصيغ في مجموعها وفي الاطار الاقتصادي الاجتماعي العقل المجتمعي، وهي التي تصنع مجتمع المستقبل مجتمع المعرفة. وهذا يعني أن التعليم ليس مجرد قطاع خدمي يمكن التعامل معه بنفس الكيفية التي يمكن التعامل فيها مع الاشغال العامة أو السياحة أو غيرها من القطاعات على أهميتها وحيويتها. وكما أن الجيش يمثل القوة الوطنية للدفاع وصد العدوان الخارجي، كذلك هو التعليم منبع القوة الذاتية والمناعة الداخلية للمجتمع.
لقد أصبح من المسلمات أن التعليم النوعي الجيد الذي يشمل أكبر عدد ممكن من المواطنين هو الوسيلة الأكثر فعالية وكفاءة لتقليص مساحات الفقر وتخفيض مستوياته وتحقيق التنمية الاقتصادية المضطردة، وهي من الأهداف الاستراتيجية للدولة. وتدل تجارب «الشعوب المعرفية» وكذلك الشعوب الناهضة أو حديثة التقدم والتي تحولت من مجتمعات زراعية بسيطة إلى مجتمعات صناعية تتعامل بتفوق وابداع مع العلوم والتكنولوجيا والهندسة الحديثة، تدل تجاربها وبدون استثناء على أن التعليم النوعي الحداثي المتنوع القائم على بناء العقل العلمي والثقافة التكنولوجية في اطار رؤية وطنية واضحة هو المحرك الرئيسي وراء كل تقدم ونهوض. كما تدل الشواهد جميعها على أنه ما من دولة في العالم مهما كانت وفرة وضخامة ثرواتها الطبيعية يمكنها أن تحتل مكانة متقدمة في المجتمع الدولي ومكانة متقدمة على سلم المعرفة، دون نظام تعليمي متميز ومتطور يستطيع توظيف امكانات العلم والتعليم والتعلم في العملية الانتاجية بأشكالها المختلفة من سلع وخدمات وادارة ومؤسسات وثقافة وفنون. فنصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في كوريا مثلا هو ضعف نظيره في روسيا رغم أن روسيا تمثل أكبر الدول وأغناها في الثروات الطبيعية في العالم. وبالإضافة إلى ذلك تشير تقارير الخبراء إلى تأثير التعليم النوعي في التقدم الصحي كإرتفاع معدلات العمر والصحة الانجابية، كما أنه يمثل البوابة الرئيسة لتوسيع المشاركة المجتمعية واعطاء الاقتصاد الوطني مرونة كافية لتحمل الصدمات.
وبالمقابل، فإن التعليم لن يحقق أهدافه الاجتماعية الاقتصادية في الاستراتيجية الوطنية الشاملة إذا كان مقصوراً على مجموعة أو طبقة دون أخرى أو إذا كان نخبويا أو فئويا. فالتقدم العلمي والتكنولوجي المعاصر وطبيعة وسائل وآليات المعلومات والتواصل والانتاج في الاقتصادات الحديثة، كل ذلك وضع المفردات العلمية والمنجزات التكنولوجية في مواجهة مباشرة مع كل فرد من افراد المجتمع ابتداء من الطفل الذي يتعامل مع وسائل الاتصال المجتمعي والمزارع الذي عليه أن يتعامل مع متطلبات الزراعة الحديثة ومروراً بالعامل والجندي الذي يقف امام الماكنات المعقدة، وانتهاء بالعالم والباحث والسياسي والمثقف والضابط والكاتب والفنان والطالب والمعلم. وهذا يتطلب من استراتيجية التعليم أن تدفع باتجاه توسيع قاعدة التعليم إلى أبعد مدى. ومن هنا، فإن العصر هو عصر التعليم والتعلم للجميع فبالإتجاهين: الأفقي أي لجميع مكونات المجتمع، والعمودي أي لجميع الاعمار بدون استثناء. إن التطورات المتسارعة في المعارف والعلوم والتكنولوجيا وبشكل خاص تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وكذلك الاضافات المستمرة فبالإختراعات والابداعات والتجديدات المتواصلة في كل اتجاه، وهي حالة ديناميكية المعرفة التي يتصاعد يوماً بعد يوم، كلها تفرض بطبيعة الحال تغيرات مستمرة في بنية الاقتصادات الوطنية والدولية. وهذا بدوره يستدعي تغيرات في المهارات والخبرات التي يحتاجها سوق العمل. ومن هنا فإن على أنظمة التعليم أن تتجاوب مع كل ذلك في التخصصات والأساليب والتوقيتات المناسبة. الأمر الذي يفرض ضرورة وضع استراتيجيات التعليم لتكون مرنة وقادرة على التجاوب مع كل المتغيرات ومن منظور مستقبلي واضح. ومن هنا، فإن وضع استراتيجية وطنية للتعليم تلتزم بها الدولة على المدى الزمني الكافي يحتل أهمية بالغة الحسم والخطورة في مستقبل الوطن.
ومن جهة ثانية فإن الأردن وقد قطع أشواطا جيدة في التعليم بمختلف مستوياته ومنذ سنوات ليست قصيرة، فإن أي استراتيجية وطنية لن تبدأ من الصفر وإنما تبدأ من موقع متقدم نسبياً. ولذا، فإن التحسين في النوعية والتطوير في الأساليب والفلسفة سيكون بارزاً في كل جزئية ومرحلة. ويتوقع من الاستراتيجية الوطنية للتعليم بمفهومه العام الذي تشكل فيه التربية ركنا أساسياً ويضم المدارس والمعاهد والكليات والجامعات وبرامج تعليم الكبار أن تعطي الاهتمام للمحاور الرئيسية الفاعلة وعلى النحو المبين تالياً.

معالم رقمية 
يتمثل الهدف الاستراتيجي الكلي لاستراتيجية التعليم المنشودة بالدفع نحو مجتمع المعرفة من خلال «مضاعفة الكتلة البشرية المتعلمة بمستوياتها وتنوعاتها المختلفة وخلال عشر سنوات ليكون الأردن بحلول عام 2025 قد دخل مرحلة جديدة على طريق تصنيع الاقتصاد الوطني وتكون فيها الكتلة المتعلمة قادرة على التجاوب وقوية التأثير في إحداث التغيرات الاقتصادية الاجتماعية السياسية المنشودة «. وتنطلق الاستراتيجية هذه من القاعدة التعليمية الصلبة التي بناها الأردن خلال الخمسين سنة الماضية. وعليه، من المتوقع أن لا تزيد نسبة الأمية عام 2025 عن (1%) وأن ترتفع نسبة الحاصلين على شهادة الدراسة الثانوية أو ما يعادلها إلى الضعف لتصل إلى (35%) وبالتساوي بين الإناث والذكور، كما ترتفع نسبة الدبلوم المتوسط إلى (20%) وأن ترتفع نسبة الحاصلين على درجة البكالوريوس وما بعدها إلى (25%). وبذلك ينخفض حجم الكتلة السكانية للذين هم دون الثانوية العامة من (52.6%) إلى (20%). وحتى تصبح لهذه الكتلة قيمة فاعلة في النهوض، فإن تعليم الكبار والتعلم مدى الحياة يتوقع أن يتسع أولا ليصبح ركناً ثابتاً من أركان التعليم في الدولة على مستوى المؤسسات الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني (القطاع الثالث) على حد سواء، وثانياً لكي تكون له مخصصات كافية لا تقل عن 15% من مجمل تخصيصات التعليم، وثالثاً: لتتحمل مؤسسات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني (القطاع الثالث) مسؤوليتها في هذا النشاط.
أما الإنفاق على التعليم الأساسي والثانوي فيتوقع أن يرتفع بحلول عام 2025 إلى 30% من نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي لكل طالب، وللتعليم العالي 120% من نصب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي لكل طالب وللبحث العلمي (1.5%) من الناتج المحلي الاجمالي. وإذا كان مؤشرا المعرفة والتعليم يتحركان حول الرقم (5) في عام 2013 فإن عام 2025 يتوقع أن يهدف إلى تجاوز الرقم (7) كمؤشر للمعرفة ومؤشر للتعليم. وهذا يدفع باتجاه تصحيح نسبة المعلمين إلى الطلبة في التعليم الاساسي لتنخفض عن 20:1 وفي الجامعات الرسمية والخاصة 17:1.
إن التقدم في البحث العلمي وخاصة في جانبه التطبيقي يتطلب التوسع في مراكز الابحاث المتخصصة والحاضنات التكنولوجية والمنتزهات العلمية لتقوم على اساس شراكة حقيقية بين القطاعات الأربعة الرسمي والخاص والاكاديمي والمجتمع المدني لتغطي هذه الابحاث والحاضنات والمنتزهات الاحتياجات الاساسية للدولة ابتداء من المياه والطاقة والتغيرات المناخية مرورا بالمراكز التي تخدم الرياديين والصناعة والزراعة والسياحة والنقل والقطاعات الاقتصادية المختلفة وانتهاء بالمراكز البحثية التي تخدم العمل السياسي والتطور الاجتماعي والحلول للمشكلات الاجتماعية.
وهذا يقضي أن يعمل نظاما التعليم والانتاج معاً على تأهيل الأعداد الكافية من الباحثين ليصل تركيز الباحثين والمطورين في السكان بما يزيد عن الحجم الحرج بمعدل يتعدى (3) باحثين لكل 1000 من السكان. إن المعلم في المدرسة والمعهد والأستاذ الجامعي هما عماد أي نظام تعليم ناجح. وهذا يقتضي انشاء مراكز التأهيل للمعلمين ليكون هناك بمعدل مركز لكل (1500) معلم موزعة في المحافظات، يتولى انشاءها وادارتها مركز وطني مستقل متخصص، ويتعاون مع الجامعات والقطاع الخاص في تنفيذ برامج التأهيل والتدريب. أما الجامعات فسوف تعطي أهمية مماثلة لمراكز تنمية أعضاء هيئة التدريس ليكون هناك مركز واحد لكل (300) عضو هيئة تدريس.
وستعمل الاستراتيجية على الانتقال بالتعليم المهني إلى المرحلة التكنولوجية المتقدمة لتكون الدراسة في التعليم الاساسي على مسارين الاكاديمي والتكنولوجي المهني بحيث يتجاوز حجم الطلبة الملتحقين باختيارهم الحر بالمسار المهني التكنولوجي 50% من مجمل اعداد الطلبة نتيجة للارتقاء الموضوعي الحقيقي بهذا المسار من جهة ورغبة من الطلبة أنفسهم في الالتحاق بهذا المسار، نتيجة للتغيرات في سوق العمل والانتاج من جهة ثانية، وللثقافة المجتمعية الجديدة التي تعطي للتعليم التكنولوجي قيمة عالية من جهة ثالثة.

وطنية التعليم
إن واحداً من أهم المحاور الاستراتيجية للتعليم يتمثل في تأصيل وتعزيز ثوابت الدولة الأردنية من حيث نظام الحكم الملكي والدستور والقانون والحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والوحدة الوطنية من خلال بناء شخصية النشء الجديد باتجاه الانتماء بعقلانية ووعي واخلاص للوطن بكل مكوناته ومفرداتها الاجتماعية الواضحة، ومن خلال بناء عقول النشئ على التعدد والتنوع باعتبار ذلك هو طبيعة الأشياء. وهو إغناء لنسيج المجتمع وتمكين وتمتين له. وهنا سيعمل التعليم على تأصيل مكونات المجتمع المختلفة بثقافتها وفنونها وانجازاتها وتاريخها في عقول ونفوس الناشئة في إطار من المحبة لتصب جميعها في ثقافة وفنون وانجازات وتاريخ الدولة بكاملها. وسيعمل التعليم مدعوماً بالثقافة المجتمعية على تجذير مفهوم المواطنة وسيادة القانون وتساوي الجميع والدفاع عن مكتسبات الدولة بكاملها باعتبار ذلك هو الانجاز الحضاري للمواطنين بأكملهم. كل ذلك في اطار من الروابط الانسانية والأخلاقية مع الشعوب الأخرى والتي تحتل فيها الشعوب العربية المكانة الأكثر قرباً والاغنى تشاركا وتفاعلا.
ويعمل نظام التعليم على تأصيل الوعي العلمي التكنولوجي بخصوصيات الدولة الأردنية والمشكلات الطبيعية الكبرى التي تتطلب جهود المتعلمين وابتكاراتهم للتعامل معها. يشمل ذلك مشكلات التصنيع والطاقة وشح المياه المفرط وتصحر الأراضي وتأثير التغيرات المناخية على الإنسان والنبات والحيوان وتراجع الزراعة وغيرها من المواضيع، وبالتالي تعميق الوعي لمتطلبات كل ذلك من ابداعات علمية وتكنولوجية وتعليمية لا حدود لها.

المعلم والطالب
وتولي استراتيجية التعليم أهمية خاصة للمعلم في المدرسة وعضو هيئة التدريس في الجامعة أو المعهد أو الكلية المتخصصة باعتبار المعلم بالمفهوم العام يمثل الركن الأهم في العملية التعليمية. وخلال السنوات العشر القادمة سيتغير دور المعلم تغيراً كبيراً ليتحول إلى ميسر للتعلم بدلا من مانح للتعليم. وهذا يتطلب تأهيلا خاصا يمتد لستة أشهر في الحد الأدنى ينتهي بمنح صاحبه إجازة في التعليم تضاف إلى ايمانه برسالة التعليم التي سيحملها الى طلبته.
في هذه المرحلة يتوقع أن يكون لدى المعلم الرغبة في مهنة التعليم والمواظبة على تأهيل نفسه والالتزام ببرامج التدريب والمشاركة في إطار من الثقة بنفسه وبمكانته في المجتمع، ويتمتع بعقل علمي تحليلي تركيبي منفتح على معطيات العلم والتكنولوجيا والفكر والفلسفة والفنون يتمسك بموقف ايجابي من التنوع والاختلاف، ويؤمن بوطنه وبالقيم الإنسانية النبيلة والديمقراطية ويلتزم بها. ولا بد أن يشعر المعلم بالأمان والرضا تجاه دخله ومستقبله، حتى يكون قادراً على تكريس جهده ووقته للعملية التعليمية. وعلى معلم المرحلة القادمة أن يتمتع بالمبادرة والابداع والقدرة على تطوير الطالب وتطوير المفردات التي تتألف منها البيئة المدرسية أو الجامعية وأن يكون متفهماً بعمق نوعية الطالب الذي يريده الوطن، وتريد المدرسة والكلية والمعهد والجامعة أن تنتجه، ومستوعباً لمفردات هذه النوعية ومتفاعلاً مع متطلباتها. ويتوقع أن تكون لديه القدرة على نقل المعرفة وبث روح العزم والعزيمة في طلبته وتعليمهم الشجاعة والنزاهة والمخاطرة والجرأة في إطار من العقلانية والرشد.
أما الطالب الذي ستعمل استراتيجية التعليم على تكوينه فلا بد أن يتحلى بعمق المواطنة والوعي بمسؤوليته وحقوقه كمواطن. وسيكون مستوعباً لتراثه الحضاري العلمي والتاريخي والأدبي والروحي ومهيئاً ليكون جزءاً من المجتمع المعرفي الديمقراطي الحديث. ويتمتع بشخصية قويـــة مستقلة واثقـة معتمــــدة على نفسها تحتــرم القيم الروحية والانسانية النبيلة وتنظر بتقدير إلى العلم والفكر والفلسفة والثقافة والفنون وتتفاعل معها بعطاء وايجابية. ويتمتع الطالب بالعقـــل العلمـــي المتمكن مـــن أدوات النقد والتحليل والتركيـــب، وقد تدرب على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي. ويتقبل التنوع والاختلاف الثقافي والعقائدي الوطني والاقليمي والدولي وسيكون قـــد اكتسب المهارات الأساسيـــة والمتمثلة بالمهارات اللغويـــة والرياضية الرقمية والمهــــارات الحاسوبية ومهارات الاتصال والمهارات المهنية والتكنولوجية ومهارات التعلم الذاتي ومهارات البحث والتطوير. وهذا يتطلب أن يعود التعليم في جميع مراحله إلى دوره التربوي أي بناء الشخصية الجديدة من خلال المناهج والتدريبات والنشاطات الملائمة التي من خلالها يتم تطوير السمات الجديدة للطالب.
وسيتم العمل على تصحيح الرواتب للهيئة التعليمية لتكون مرضية وموفرة للإكتفاء المعيشي وبمقياس لا يقل عن 150% من متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي للمعلم في المدرسة في اطار من الاحترام الاجتماعي. إضافة الى منظومة متكاملة من الخدمات الطبية والاسكانية والمالية والتشكيلات التعاونية واخضاع الترقية إلى سلسلة مهنية من الدورات والاختبارات والحوافز الاضافية المجزية والتي ينبغي النظر اليها ليس كجزء مكمل لتأهيل المعلم قبل التحاقه بالمؤسسسة التعليمية وإنما متطلب قائم على مدى وجوده في المهنة.

المؤسسة التعليمية
يجمع الخبراء على أن طول سنوات الدراسة في المدرسة أو المعهد أو الكلية أو الجامعة لا يعني بالضرورة لجزء كبير من الطلاب تعليما أكثر وأفضل. وانما تعتمد نوعية التعليم ومقداره على كفاءة المؤسسة التعليمية ومهنية الأساتذة والمعلمين علمياً وابداعياً وسلوكياً وتربوياً وانسانياً ومظهراً وجوهراً باعتبارهم النموذج والقدوة للطلبة، والمحرك لمكامن القدرة والابداع لديهم. وكذلك تعتمد نوعية التعليم على البيئة التعليمية التي تبنيها المؤسسة التعليمية سواء في الجوانب المادية الفيزيائية أو العلاقات بين الطلبة ومدرسيهم أو بين المؤسسة والمجتمع المحلي الذي ينبغي أن يكون شريكاً فاعلاً مقنعاً ومقتنعا بالمؤسسة التعليمية ودورها وكفاءتها، وبالتالي استعداده للمشاركة في مشاريعها. إن المؤسسات التعليمية ينبغي أن تتحول خلال السنوات العشر القادمة إلى مؤسسات خضراء صديقة للبيئة وللإنسان وللفنون وحاضنة للابداع والتميز. ومحل رضا وثقة من الطالب وذويه والمجتمع، الأمر الذي يتطلب من جانب آخر إزالة حالة التوتر وتطوير منظومات الامتحانات شكلا ومضمونا وبالاتجاه الذي يعيد للمدرسة وللمعلم مكانتهما من خلال تخصيص جزء من العلامات للأداء المدرسي السنوي وجزء للقابلية والاستعداد والجزء الاخر للامتحانات. كل ذلك بعد إلغاء مفاهيم وممارسات الترفيع التلقائي في المدارس والمعاهد والكليات والاستعاضة عنه بأشهر اضافية في العطلة الصيفية.
إن الاستقلال الكامل للجامعات والكليات والمعاهد العليا يمثل الدعامة الرئيسية للإنتقال إلى التعليم النوعي من خلال التنافس والتنوع والابتعاد عن القولبة والنمذجة واعادة انتاج ذات المنتج. كما أن تطوير كليات المجتمع لتتحول إلى كليات تكنولوجية متقدمة يتخرج منها الأخصائيون في التكنولوجيات المختلفة من شأنه أن يحقق الأهداف الاستراتيجية المنشودة. وهذا يتطلب اعادة الدور لوزارة التعليم العالي ليقتصر على مراقبة النوعية والتعاون مع المؤسسات لتحقيق الأهداف الكبرى في التعليم والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي، من خلال التعاون والتشارك مع المؤسسات الاكاديمية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة دون الدخول في الادارة الخاصة بهذه المؤسسات.

التعلم والمهارات
وسيقوم نظام التعليم الذي سيكون تعليما تفاعليا في جميع مراحله على محورين أساسيين الأول «التعلم» والثاني «المهارات». فطالب القرن الحادي والعشرين هو الذي يكتسب المهارات اللازمة لكي يعلم نفسه بنفسه وبشتى الوسائل، ابتداء من التواصل الشخصي مع المعلم ومروراً بالكتاب والمرجع الورقي وانتهاء بالوثائق الالكترونية والتواصل الافتراضي. وبالتالي، فإن دور المعلم هو في حالة تطور ليركز على توجيه الطالب لاكتساب مهارة التعلم والتدرب عليها بدلاً من الدور التقليدي.
وعلى مدى سنوات المدرسة والمعهد والجامعة فإن الطالب يتدرج باكتساب المهارات ابتداء من المهارات اللغوية والمهارات الرقمية الرياضية والحياتية ومهارات التواصل وانتهاء بالمهارات التخصصية. وما بين كل ذلك مهارات القراءة المعمقة والكتابة الحاملة للعلم والفكر والثقافة ومهارات يقتضيها سوق العمل. وسيعمل نظام التعليم على تأصيل النشاط الرياضي الفردي والجماعي والعناية بالجسم والصحة العامة والخاصة والنظافة من خلال السلوك الصحي السوي. وكذلك استثمار الرياضات الجماعية في تأكيد روح التنافس البناء وقبول فوز الآخر بروح رياضية عالية لكي تحفز على مزيد من الاجتهاد والتفوق لتكون المهارات الرياضية جزءاً من المهارات الأساسية التي يرسخها نظام التعليم. ويتطلب هذا أن يكون نظام التعليم في جميع المراحل على وعي بهذه المهارات وتدرجاتها المرحلية وعلى ادراك لطبيعة الحزم النوعية والكمية التي يتم تأهيل الطلبة لها.

النشاطات اللامنهجية
إن الانتقال من التعليم التقليدي والحفظ والتلقين إلى التعليم الذاتي والتعلم مدى الحياة وتصاعد مؤشر المعرفة من خلال ترابط التعليم مع سوق العمل والانتاج يعطي النشاطات اللامنهجية أهمية خاصة. وتتطلب هذه النشاطات تصميمات خاصة تؤصل توظيف التعليم والعلم والمعرفة في خدمة المجتمع، وتفتح في وقت مبكر منافذ منتجة للتواصل بين المتعلم وبين المحيط الذي يوظف فيه معارفه ونشاطاته. ومن خلال النشاطات اللامنهجية تتطور المعرفة والخبرة والثقافة التي تعزز عمل الفريق وقبول التنوع والتعرف على الآخر. وتعمل زيارات طلبة العلم إلى الاماكن المختلفة في المملكة والمشاريع المشتركة مع مؤسسات تعليمية متشابهة وتقديم الخدمات للقرى والأرياف والمزارع والمصانع والأندية ومنظمات المجتمع المدني على تأصيل الدور الاجتماعي للمعرفة والروابط الاجتماعية من منظور نفسي وفكري وعلمي متطور، بعيداً عن الضغوطات التي تفرضها طبيعة الحياة الاجتماعية.
وتشكل النشاطات اللامنهجية مدخلاً رئيسياً لاكتشاف واطلاق طاقات الابداع والابتكار الكامنة لدى المتعلمين في سن مبكر والتي تعتبر ركناً أساسياً من أركان مجتمع المعرفة كما وتعمل على تعميق المهارات الحياتية سنة بعد سنة الامر الذي يجعل المتعلم جاهزاً للتفاعل مع المستجدات العلمية والتكنولوجية والاجتماعية التي تفرضها المتغيرات المتواصلة في مناحي الحياة المختلفة.
إن النشاطات اللامنهجية ليست مجرد وقت فراغ وإنما هي برامج محكمة التصميم ليشعر المتعلم داخلها بحرية الحركة وابداعية الأداء. وهذا يتطلب تأهيل المعلمين المشرفين على النشاطات اللامنهجية تأهيلا خاصا وعلى مستوى رفيع في المهنية.

التفكير والإبداع
وسيعمل نظام التعليم على بناء العقل العلمي المبدع والمجدد لدى المتعلمين، وتأصيل مهارة التفكير النقدي المتفتح والقائم على العلم والمتفاعل مع التكنولوجيا انتاجاً وليس استهلاكاً، والمتمكن من التحليل والتركيب ومهارة مواجهة المشكلات وتطوير الحلول لها. وسيبتعد التعليم كلية عن الحفظ والتلقين باعتبار ذلك من الماضي. ويدرك القائمون على نظام التعليم أن العصر هو عصر التكنولوجيا والثورة الرقيمة والمعلومات التي اصبحت متاحة على الشبكات الالكترونية في جميع التخصصات وتصل إلى جميع اطراف المعمورة، الأمر الذي يجعل التحدي أمام نظام التعليم يتمثل في التعامل مع المعلومات تحليلاً وتركيباً واستنباطاً وتطويراً وتوظيفا واستخداما وليس حفظا واستظهارا.
ويدرك نظام التعليم أن الإبداع والتجديد والابتكار والاختراع كلها تمثل روح التقدم الانساني وهي الوقود الذي لا ينضب من أجل الارتقاء ومن أجل التميز والتنافس والتفوق. والابداع له مهاراته وأساليبه وطرائقه التي يجب أن تكون جزءً صميمياً مما يتعلمه الطالب في جميع مراحل الدراسة التعليم. ستعمل المؤسسة التعليمية وفي جميع السنوات والتخصصات على تمكين الطالب من المهارات الابداعية التي تقع في نطاق اختياره واهتمامه وتشكل جزء من طاقاته الكامنة.
وسيعمل نظام التعليم في جميع مراحله وتخصصاته وتفرعاته على الاهتمام الواسع والمعمق بالفنون بأشكالها المختلفة وبالثقافة الرفيعة ليكون المتعلم محبا للثقافة متذوقا للفنون وممارسا لها ومتفاعلا معها ومكتشفا لمواطن الجمال في الأعمال الفنية والثقافية وفي الطبيعة وفي الوطن، ومستعدا لمتابعتها ذاتيا كجزء من نمط الحياة الفردية والمجتمعية ومستمتعا بها.
وهذا يستدعي مراجعة بنية المناهج وتطويرها بما يحقق هذا الهدف بشكل جوهري عميق بكل ما يلزم ذلك من تغيير في أنماط التعليم التقليدية.

سوق الإنتاج والعمل
ويعمل نظام التعليم على تعزيز الترابط مع سوق الانتاج وسوق العمل المتجهين نحو مزيد من مدخلات العلم والتكنولوجيا. وهذا يتطلب ادخال التغييرات اللازمة في التعامل مع العلوم الطبيعية والتطبيقية والانسانية لتنتقل من المجرد إلى الواقعي ومن النظري إلى العملي التطبيقي. إن متطلبات سوق الانتاج والعمل من تخصصات ومهارات وسلوكيات وقواعد معرفية ومشاريع تجريبية وابداعات وابتكارات هي في تجدد متواصل وتغير ليس له نهاية الامر الذي يتطلب من نظام التعليم المرونة والتجاوب الفعال. إن نظام التعليم مطلوب منه تهيئة المتعلم ليس لمواجهة الحاضر فقط وإنما للتعامل مع المستقبل بكل متغيراته. ومطلوب من نظام التعليم الوطني أن تكون نتاجاته مقبولة بل ومبدعة عام 2020 وعام 2030 وما بعدها. وهذا يستدعي تحقيق ثلاثة شروط: أولها: التواصل المؤسسي المنتظم المستمر مع القطاعات الانتاجية والاجتماعية. وثانيها: تركيز الدراسات التعليمية والتربوية على التغيرات المعرفية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والتغيرات المناخية. ويتطلب الانتقال بذكاء وحكمة وابتكار من الهندسة الداخلية للتعليم إلى الهندسة الخارجية والهندسة العكسية. وثالثها: اعتبار تعليم الكبار أو التعلم المستمر هو أحد الأركان الرئيسة التي يمكن أن تعطي للأبداع البيئة الحاضنة وللتعليم دورها الفاعل ليتعامل مع المستقبل على أوسع نطاق جماهيري وتدفع باتجاه زيادة الانتاج ورفع الكفاءة وتحسين الانتاجية للافراد والجماعات.

التوظيفية والريادية
وإذا كانت الأهداف العامة للتعليم تتمثل في بناء الشخصية الوطنية المنفتحة للمعرفة والعقل العلمي وتأهيل المتعلم لمواجهة الحياة، فإن جزءاً من نظام التعليم وهو التعليم العالي يهدف إلى تخريج الطلبة المؤهلين بتخصصاتهم المختلفة والمبدعين والمجددين منهم والمتميزين في البحث العلمي والتطوير التكنولوجي وقادة الفكر والرأي والفلسفة في جميع الحقول، وكذلك مستشرفي المستقبل من العلماء والمفكرين والتكنولوجيين ومن هم مبدعون في مساهماتهم في حل المشكلات الكبرى للوطن والمساهمة في حل المعضلات التي تواجهها القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.
إن كل ذلك من شأنه أن يدفع باتجاه أن تكون البرامج التعليمية والتعلمية والنشاطات اللامنهجية قادرة على رفع مستوى التوظيفية (employability) لدى المتعلم من خلال قبول السوق لمهاراته ومؤهلاته والاطمئنان لقدراته. فبالاضافة إلى المهارات التخصصية التي تعتبر القاعدة الرئيسية للتوظيفية، فإن نظام التعليم سوف يعطي الاهتمام الكافي القائم على التفاعل والممارسة للغات والارقام وتكنولوجيا المعلومات وللتعلمية (learnability) أي القدرة على التعلم، وكذلك مهارات التفاوض وتقدير التنوع والاختلاف، والمبادرة، وتحمل الضغط والتفكير في حل المشكلات، وادارة الوقت والمكان والتنظيم وعمل الفريق، بإعتبارها جميعا تمثل المهارات العامة للتوظيفية. على أن التوظيفية التي يخرج بها النظام التعليم ينبغي أن تقاس بمعايير الأداء المستقبلي من جهة، وأن لا تكون معتمدة على الآخرين من جهة أخرى. وهذا يتطلب من نظام التعليم أن تكون الريادية بمفاهيمها وفلسفتها وثقافتها ومهاراتها جزءا لا يتجزأ من مكتسبات المتعلم وبناء شخصيته وفي كل سنة ومرحلة من سنوات ومراحل التعليم، خاصة وأن المنطقة العربية عموما ووطننا الأردن منها لا زالت بعيدة عن مفاهيم الريادية وثقافتها وممارساتها على نطاق اجتماعي واسع، سواء كان ذلك في الاقتصاد أو الثقافة أو العلم أو التكنولوجيا أو منظمات المجتمع المدني او السياسة. ولا زالت مفاهيم التعامل مع الأشياء الجاهزة هي المسيطرة. وهذا لا يتغير إلا من خلال الريادية والتعليم والثقافة والسياسات المناسبة.

المنهاج والكتاب
ويتطلب الأمر مراجعة كاملة للمنهاج والكتب في جميع المؤسسات التعليمية ليعاد صياغة المناهج وبنائها وتوزيع موادها ومكوناتها انطلاقاً من الفلسفة العامة والأهداف الاستراتيجية المطلوب تحقيقها، ابتداء من متطلبات وطنية التعليم وانتهاء بالمهارات التي ينبغي اكتسابها من الطالب قبل تخرجه من كل مرحلة تعليمية معينية، وما بين هذه وتلك من مفردات سبقت الإشارة اليها كالعقل العلمي واللغة الرقمية والانتاج والإبداع والريادية وتطوير المجتمع وبناء الشخصية الايجابية وروح المبادرة والتواصل، إضافة بطبيعة الحال وفي كل فقرة للمعارف والعلوم. وهذا يتطلب تفصيل الفقرات الخاصة بكل مادة في كل مرحلة بحيث تؤدي السلسلة المتكاملة إلى انتاج الشخصية الجديدة التي يهدف اليها نظام التعليم. وبذلك يتم تطوير البيئة التعليمية بما تتطلب من اضافات ويستوفي المعلم دوره في التأهيل والإعداد والاستعداد.
أما الكتاب فليس هناك كتاب واحد وإنما هناك كتب ومراجع متعددة. وتركيز الكتب المقررة إلى متطلبات المنهاج دون أن تكون متطابقة. وفي المعاهد العليا والكليات والجامعات فإن تعدد الكتب والمراجع يصبح أكثر اتساعاً ويتم الغاء القولبة والتماثل بين المؤسسات. إذ المطلوب دائماً أن يكون هناك هامش واسع يسمح بالإبداع والتغيير في المدرسة والكلية والجامعة مع الالتزام بأساسيات وفلسفة المناهج وأهدافها. وهذا يستدعي دخول دماء جديدة إلى وضع المناهج التفصيلية والكتب لتكون من خارج المؤسسة ذاتها وانما يستعان بتربويين ومفكرين وعلماء ومؤلفين من خارج وزارة التربية والتعليم أو الكلية الجامعية حتى يكون هناك دائماً فكر جديد ورؤية مختلفة.

اقتصاديات التعليم
لعل واحداً من أعقد المشكلات في أية استراتيجية للتعليم هي اقتصاديات التعليم. فالتعليم النوعي الجيد والمتميز هو بالضرورة استثمار مجزي ولكنه نشاط مرتفع التكاليف، يتطلب تخصيصات مالية كافية تبدأ بإعداد الهيئة التدريسية وتنتهي بالإنفاق على النشاطات الابداعية والمنتزهات العلمية والحاضنات التكنولوجية والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي. وإذا كان من المتوقع للاستراتيجية الوطنية أن تقوم على مضاعفة الإنفاق على التعليم والبحث العلمي خلال السنوات العشر القادمة فإن ترتيب المسألة المالية يحتل المقام الأول. وهنا يمكن أن تتبنى الدولة بمؤسساتها الرسمية والقطاع الخاص والقطاع الثالث والاكاديميا حزمة من البرامج التي تمكن المؤسسات التعليمية من مواجهة الاعباء المالية المطلوبة. وهنا يتطلب الأمر الاسراع في إنشاء بنك متخصص للتعليم باسم «بنك تنمية التعليم» ليتولى تمويل مشاريع التعليم وخاصة التعليم العالي للكليات والمعاهد والجامعات بما في ذلك منح الطلبة قروضاً مناسبة بفوائد منخفضة ليتم السداد بعد الالتحاق بالعمل. وبذا يمكن تحقيق هدفين في آن واحد هما: الديموقراطية والعدالة وتكافؤ الفرص للجميع من جهة وتوفير الأموال اللازمة للنهوض بالتعليم والبحث العلمي من جهة أخرى. كذلك لا بد من وضع قانون أو نظام يجعل إنشاء الوقفيات وصناديق التوفير والاستثمار لمؤسسات التعليم العالي إجباريا سواء كانت حكومية أو خاصة وللمدارس اخيتارياً. وتكون مسؤولية وزارة التعليم العالي المساعدة والمساهمة في انشاء هذه الوقفيات والصناديق لتكون عائداتها للغايات التي انشئت من أجلها بشكل مطلق.. كما تتم دعوة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني لانشاء المنح والصناديق التي تدعم التعليم في جميع مراحله كجزء من المسؤولية المجتمعية لتلك المؤسسات. هذا إضافة إلى إنشاء مجالس الشراكات المجتمعية وفي مقدمتها «مجلس البحث العلمي المشترك» بين القطاع العام والخاص والثالث والاكاديميا «ومجلس التعليم العالي المشترك» بين القطاعات الأربعة أيضاً ومجالس المجتمع المحلي المشتركة للمدارس والكليات والمعاهد وغيرها. وستقوم الدولة بتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الصناعة التعليمية من بناء مرافق إلى انتاج المواد التعليمية والمختبرية إلى التعاقدات البحثية إلى تمويل الابتعاث وغير ذلك من مفردات ومن خلال حوافز قوية. وسوف يصار إلى استغلال أسوار المدارس والمعاهد والجامعات كلما أمكن ذلك في مشاريع يمكن أن تدر عائدات متواصلة على المؤسسة التعليمية.
وحقيقة الأمر أن أوجه تحسين اقتصاديات التعليم لا حصر لها وتتطلب التزام الدولة من جهة والابداع والابتكار من جهة ثانية.
والخلاصة أن الاستراتيجية الوطنية للتعليم تعمل على إنشاء حالة تعليمية تعلمية تربوية معرفية جديدة تكون محركاً أساسياً في دفع الأردن إلى النهوض خلال السنوات العشر القادمة. وإذا ما تم تبني هذه الاستراتيجية فإن فرقاً متخصصة تقوم بوضع السياسات والبرامج التفصيلية وفي مقدمتها إنشاء آليات التقييم والمراجعة والمراقبة النوعية والتي ينبغي أن تكون مستقلة عن وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي. ويأتي في مقدمة هذه الآليات إنشاء المركز الوطني لتطوير التعليم والهيئة الوطنية لتصنيف الكليات والمعاهد والجامعات والمجلس الوطني لتطوير التعليم المهني والتكنولوجي.
* وزير تربية وتعليم سابقاً

التعليقات

yousef (.) الاربعاء, 11/26/2014 - 12:09

مع الاحترام لمعاليك خربت التربيه والتعليم والان جاي تنظر علينا بافكار اكل عليها الدهر وشرب والله لو اعطينا القوس لباريها لتحسن كل كل امر ولما احتجنا لتنظيركم وسلام مربع للجدعان هههههه..........؟

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)